الخبير المصرفي د. لؤي عبد المنعم يكتب... حكومة الأمل والمؤسسات المالية الدولية والاقليمية
حكومة الأمل والمؤسسات المالية الدولية والاقليمية: تمويل تنموي يعيد رسم ملامح التعافي الاقتصادي في السودان
في ظل واقع سياسي وأمني دقيق ومفصلي، يواصل السودان جذب اهتمام المؤسسات المالية الدولية، حيث أعلن مؤخرا بنك التنمية الأفريقي عن تخصيص تمويل تنموي بقيمة 420 مليون دولار لمشروعات قيد التنفيذ، مع التفاوض على منحة إضافية تفوق 200 مليون دولار. ويأتي هذا الدعم في إطار برنامج المنح السادس عشر للبنك، الذي يركز على دعم الدول الخارجة من النزاعات، وينفذ بالتنسيق مع الحكومة السودانية.
التمويل المعلن يستهدف قطاعات استراتيجية تمثل حجر الأساس لأي عملية إعادة إعمار، مثل الأمن الغذائي، البنية التحتية، التعليم، والصحة، إلى جانب بناء القدرات الوطنية. وقد أكد وفد البنك، خلال زيارته للخرطوم في ديسمبر 2025، أن السودان يحظى بأولوية في خارطة التمويل الإقليمي، مشيدا بالتعاون المؤسسي القائم مع الحكومة.
ورغم التحديات الأمنية، وعلى رأسها التطورات الأخيرة في حقل هجليج النفطي، فإن طبيعة هذا التمويل - كونه موجها لمشروعات محددة (Project-based funding) وليس دعما مباشرا للموازنة (Budget support) - تمنحه مرونة أكبر في التنفيذ باعتبار التمويل مرتبط بنتائج محددة وليس بالحكومة نفسها، ولا يشترط فيه اجراء اصلاحات اقتصادية أو سياسية، ويقلل من المخاطر المرتبطة بالتقلبات السياسية لأن الأموال لا تدخل مباشرة في خزينة الدولة بل تدار عبر آليات رقابة مستقلة. كما أن الأثر المباشر لفقدان السيطرة على حقول نفط هجليج مؤخرا ينعكس بشكل أكبر على دولة جنوب السودان التي يمر انتاجها عبر هجليج، ما يعزز أهمية استقرار السودان كضامن لتدفق النفط الإقليمي.
في موازاة ذلك، تواصل حكومة الأمل بقيادة البروفيسور كامل إدريس جهودها لاستعادة الثقة الدولية، حيث نجحت في تأمين تمويلات إضافية من شركاء دوليين. فقد أعلن البنك الدولي عن خطة تمويلية بقيمة 700 مليون دولار لدعم مشروعات في مجالات الطاقة والزراعة والتحول الرقمي والخدمات الاجتماعية، تمتد لثلاث سنوات. كما خصص صندوق الأمم المتحدة للسكان 47 مليون دولار لدعم القطاع الصحي خلال عام 2025، مع التزام بتمويل إضافي حتى عام 2028.
هذه الشراكات لم تأت من فراغ، بل تعكس تحولا نوعيا في الأداء الحكومي، حيث تبنت حكومة الأمل حزمة من الإصلاحات المؤسسية، شملت تعزيز الشفافية، وتفعيل آليات الرقابة، وتقديم رؤية اقتصادية متكاملة. كما أعادت الحكومة فتح قنوات التعاون مع الصناديق العربية والإفريقية، مثل الصندوق الكويتي للتنمية وصندوق التضامن الإسلامي، وأطلقت برامج لبناء القدرات في القطاعات الإنتاجية.
إن السودان، بما يمتلكه من موارد طبيعية وموقع استراتيجي، وبما تبديه حكومته من التزام بالإصلاح، يثبت مجددا أنه بيئة جاذبة للاستثمار والشراكة. والتمويلات المعلنة ليست مجرد أرقام، بل هي مؤشرات على عودة السودان إلى الخارطة التنموية الدولية، واستعداده لتجاوز آثار الحرب عبر أدوات التنمية المستدامة.
وفي هذا السياق، تبرز أهمية ترسيخ منطق التعامل مع المؤسسات الشرعية، ودعم الاستقرار الاقتصادي، والتعاون الدولي للتصدي للإرهاب، كمدخل أساسي لبناء الثقة مع الشركاء، وضمان استمرارية التمويل. فالمشروعات التنموية لا تزدهر إلا في بيئة مستقرة، تحكمها مؤسسات فاعلة، وسياسات رشيدة، وشراكات قائمة على المصالح المشتركة.
لقد أثبتت حكومة الأمل، من خلال أدائها خلال الأشهر الماضية، أنها قادرة على تحويل الدعم الدولي إلى نتائج ملموسة، وأنها تمثل منصة موثوقة لاستقطاب التمويل الإقليمي والدولي. ومع تزايد الزخم حول السودان، فإن الفرصة مواتية لتكريس هذا المسار، وتحويله إلى قصة نجاح تنموية في قلب القارة الإفريقية.
وفيما يلي جانب من المشروعات المستهدفة بالتمويل الدولي والاقليمي، والتي تم الإعلان عنها رسميا في عام 2025:
اولا: بنك التنمية الأفريقي (AfDB)
إجمالي التمويل المؤكد (137.98) مليون دولار أمريكي يتوزع على ثلاث منح رئيسية:
1. 62.13 مليون دولار – مشروع إعادة تأهيل البنية التحتية الاجتماعية (SISSIRP)
- يشمل الصحة، التعليم، والمياه في ولايات الجزيرة، نهر النيل، سنار، والنيل الأبيض
https://afdb.africa-newsroom.com/press/african-development-bank-approves-62-million-emergency-grant-to-restore-critical-services-in-conflictaffected-sudan?lang=en
2. 55 مليون دولار – مشروع الطوارئ الصحية والبنية التحتية بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية (SHEIP)
- يستهدف تحسين الوصول إلى الخدمات الصحية الأساسية لـ6 ملايين مستفيد
https://www.afdb.org/en/news-and-events/press-releases/african-development-fund-and-who-sign-55-million-agreement-strengthen-health-services-sudan-88608
3. 19.85 مليون دولار – استجابة للأزمات للفئات الأكثر هشاشة بالتعاون مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر
- يشمل دعم سبل العيش، الأمن الغذائي، وتأهيل المرافق الصحية في مناطق النزاع
https://africasolutionsmediahub.org/2025/05/01/african-development-bank-approves-19-85-million-grant-for-crisis-response-to-the-most-vulnerable-in-sudans-conflict-areas/
ثانيا: البنك الدولي (World Bank)
إجمالي التمويل المؤكد: 182 مليون دولار أمريكي
يتوزع على مشروعين رئيسيين:
1. 82 مليون دولار – مشروع دعم النظام الصحي (SHARE)
- يشمل تمويلًا لمنظمة الصحة العالمية (WHO) واليونيسف لتقديم خدمات الصحة والتغذية
2. 100 مليون دولار – مشروع شبكة الأمان الاجتماعي الطارئة (SANAD)
- لدعم الأسر المتأثرة بانعدام الأمن الغذائي عبر تحويلات نقدية ومساعدات إنسانية
https://www.worldbank.org/en/news/press-release/2025/01/12/world-bank-approves-182-million-to-enhance-health-and-safety-nets-in-afe-sudan
ثالثا: صندوق الأمم المتحدة للسكان (UNFPA)
إجمالي التمويل المطلوب: 145.7 مليون دولار أمريكي
التمويل المتاح حتى سبتمبر 2025: 50.3 مليون دولار (35%)
- يشمل دعم 47 مرفقًا صحيًا، 13 فريقًا صحيًا متنقلًا، و75 مركزًا صديقًا للنساء والفتيات
https://www.unfpa.org/resources/sudan-situation-report-september-2025
و من خلال ما تقدم فإن الإجمالي التقريبي للتمويل المؤكد حتى نهاية 2025:
- بنك التنمية الأفريقي: 137.98 مليون دولار
- البنك الدولي: 182 مليون دولار
- UNFPA (ممول جزئيا): 50.3 مليون دولار
المجموع: نحو 370 مليون دولار أمريكي على الأقل
---
المصادر المحلية:
- إعلام وزارة المالية السودانية – 7 ديسمبر 2025
- صحيفة التغيير – البنك الدولي يعلن عن تمويل مشروعات في السودان بـ700 مليون دولار
- نبض السودان – صندوق الأمم المتحدة للسكان يخصص 47 مليون دولار للسودان لعام 2025