"لن نفاوض القتلة".. رسالة سودانية حازمة عقب فظائع الفاشر
أعلنت الحكومة السودانية عبر سفارتها في الدوحة أنها قطعت فعليا أي إمكانية للعودة إلى طاولة التفاوض مع مليشيا الدعم السريع، معتبرة أن الثقة بهذه “المليشيا مستحيلة” في ضوء ما ارتكبته من فظائع، خصوصا في مدينة الفاشر بإقليم دارفور.
وتقول الخرطوم إن ما جرى في الفاشر لم يكن حدثا عابرا، بل امتداد “لنمط ممنهج من الجرائم والانتهاكات” التي حملت مسؤوليتها للدعم السريع، مؤكدة أنها ماضية في ملاحقتها على المستويين العسكري والسياسي، مع دعوة المجتمع الدولي إلى تصنيفها منظمة إرهابية، ومحاسبة قادتها ومنتسبيها وفق القوانين الدولية.
وخلال مؤتمر صحفي عقده السفير السوداني في الدوحة بدر الدين عبد الله محمد أحمد، قدم السفير عرضا مفصلا لآخر تطورات الحرب في السودان، مسلطا الضوء على مأساة مدينة الفاشر، التي قال إنها “تكشف حقيقة السلوك العنيف والممنهج لهذه المليشيا” في مناطق مختلفة من البلاد.
وأكد السفير أن الحكومة السودانية “لن تتراجع عن ملاحقة عناصر المليشيا”.
مشيرا إلى أن الجيش السوداني يمتلك القدرات العسكرية والاستعداد القانوني والأخلاقي لمواجهة من وصفهم بـ”رأس الرمح والمخلب” في المؤامرات التي تستهدف السودان منذ أبريل 2023، والتي خلفت واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية التي رصدتها منظمات دولية.
دعم قطري متواصل
وأشاد السفير السوداني بالدور القطري في دعم النازحين من الفاشر، موضحا أن قطر الخيرية قدمت مساعدات عاجلة للنازحين الذين وصلوا إلى مدينة الدبة قبل يومين، بمتابعة مباشرة من وزيرة الدولة للتعاون الدولي في قطر، الدكتورة مريم بنت علي بن ناصر المسند.
وقال إن “الموقف القطري كان ولا يزال سباقا”، مذكرا بأن أولى طائرات الإغاثة عقب اندلاع الحرب قبل أكثر من عامين كانت قد انطلقت من الدوحة.
وأضاف أن مدينة الفاشر تعرضت لحصار استمر 500 يوم “دون أي استجابة لقرار مجلس الأمن بفك الحصار وإدخال المساعدات”، مشيرا إلى أن آلاف المرتزقة من جنوب ليبيا وإفريقيا الوسطى وتشاد ودول الساحل وجنوب السودان “وحتى من كولومبيا وأوكرانيا” شاركوا في حصار المدينة.
تطهير عرقي
وأوضح السفير السوداني في الدوحة بدر الدين عبد الله محمد أحمد أن بلاده سبق أن قدمت دعاوى أمام منظمة العفو الدولية، وتواصل الآن جهودها لفضح الجرائم التي ترتكبها مليشيا الدعم السريع، التي باتت “معروفة للعالم بأسره بأنها تمارس التطهير العرقي والإبادة الجماعية وانتهاك جميع حقوق الإنسان”.
وأشار إلى أن “قيادة المليشيا لم تنكر هذه الجرائم، بل اعترفت ضمنيا عبر إعلانها فتح تحقيقات داخلية ومعاقبة المسؤولين”، وهو ما اعتبره السفير “محاولة لذر الرماد في العيون”، مؤكدا أن المسؤولية تطال قيادة المليشيا وعناصرها وداعميها، وهي انتهاكات صنفتها منظمات حقوقية على أنها جرائم إبادة.
ولفت إلى أن المجازر في الفاشر أحدثت صدى دوليا واسعا “بالنظر إلى بشاعتها”، إذ وصفها مسؤولون دوليون بأنها “رعب خالص، وليست حربا بل إرهابا”، محذرين من أن تجاهل المجتمع الدولي لهذه الجرائم يمثل “تقصيرا أخلاقيا فادحا”.
ملاحقة متواصلة
وقال السفير السوداني إن الخرطوم ستواصل تحركاتها القانونية والدبلوماسية “في جميع المنابر الدولية” لدفع المجتمع الدولي إلى تصنيف الدعم السريع كمنظمة إرهابية. وأضاف “ما حدث في الفاشر سيسهم بشكل كبير في إبراز الصورة الحقيقية لهذه المليشيا”.
وشدد على أن السودان بحكومته وقواته المسلحة وجميع القوات المساندة قادر على هزيمة “هذه المليشيا الإرهابية” وإفشال مخططاتها، موضحا أن الجيش السوداني الذي ناهز عمره قرنا من الزمن خاض منذ الحربين العالميتين “أشرس المعارك وظل متماسكا وحاميا للوطن”.
كما أكد أن السودان قادر على استعادة كامل أراضيه واستقراره، باعتباره عضوا فاعلا في محيطه العربي والأفريقي وفي المجتمع الدولي.
وذكر السفير السوداني بأن حكومة بلاده كانت سباقة إلى إحلال السلام عبر مشاركتها في منبر جدة قبل عامين، وأسفر ذلك عن توقيع اتفاق جدة، “لكن الدعم السريع لم يلتزم به”. وأشار إلى أن الخرطوم لا تمانع في أي دور وساطة قطري، “لكن الطرف الآخر غير موثوق به”.
إعادة الحياة للمناطق المحررة
وأوضح السفير السوداني أن الحرب خلفت دمارا واسعا في البنية التحتية، من مستشفيات ومرافق صحية وتعليمية وخدمية ومحطات كهرباء ومياه، حيث تضررت مناطق كثيرة وتوقفت فيها الخدمات الأساسية، مشددا على أن الحكومة تعمل بشكل حثيث لإعادة الحياة إلى طبيعتها في المناطق التي استعادت أمنها واستقرارها.
وأكد وجود تنسيق كامل ودعم قطري كبير لحكومة الخرطوم، مشيرا إلى أن الدوحة ستكون “شريكا أساسيا” في إعادة إعمار السودان بعد انتهاء الحرب وعودة النازحين الذين يقدر عددهم بـ15 مليونا داخل البلاد، إضافة إلى 4 ملايين لاجئ خارجها.
وتوقف السفير بدر الدين عبد الله محمد أحمد عند “الجانب الإعلامي للحرب”، مشيرا إلى أن الطرف الآخر وداعميه كانوا مستعدين بخطط إعلامية واسعة، لكن الحكومة السودانية استطاعت بمرور الوقت مواكبة هذه الحملات وإظهار الفظائع التي يرتكبها الدعم السريع.