الطيب محمد أحمد رجب يكتب...الأرصاد الجوية السودانية نظرة عن كثب
(عن طبيعة العمل و اللوائح المنظِمة للعمل، و فرص النهضة و التطوير)
إن مؤسسة الأرصاد الجوية السودانية و نظيراتها في كل العالم تديرها من الناحية الفنية لوائح ونظم المنظمة العالمية للأرصاد الجوية التي تعرف اختصاراً بWMO، و في السودان و من الناحية الإدارية تخضع الهيئة العامة للأرصاد الجوية للوائح الخدمة المدنية كواحدة من مؤسسات العمل المدني للدولة.
و فيما يخص طبيعة العمل، ففي الظروف الطبيعية يستقبل مكتب الرصد و التوقع بيانات رصد الطقس كل ثلاث ساعات من أكثر من ثلاثين محطة موزعة في كل مدن السودان تقريباً (من الجنينة غرباً و حتى القضارف شرقاً و من كادوقلي جنوباً حتى وادي حلفا شمالاً) و على مدار الأربع و عشرين ساعة مما يعني أن يسهر موظف الأرصاد الجوية طوال ثلاثين أو أربعين سنة من عمره في خدمة الدولة.
ففي ظروف الطقس المتقلب و مع تعاقب الفصول بين صيف و خريف وشتاء، حيث الأمطار و الصواعق و البرق و الرياح الشديدة و الأتربة و الجبهات الهوائية الشديدة، يتوجب على خبراء الأرصاد الجوية في المطارات خاصة، عمل تقارير الطواريء و التي قد تكون كل عشر دقائق أو ربع ساعة أو أكثر، مما يعني السهر حتى الصباح حرصاً على السلامة الجوية و التي تحتم في أحيان كثيرة توقف الحركة الجوية وإغلاق المطار نسبة لسوء الأحوال الجوية. و إذا فصّلنا بعض الشيء في تطبيقات الأرصاد الجوية على بعض المجالات نجد أنه لا تصح العمليات الجوية إلا بمعلومات الأرصاد الجوية، فعمليات الاقلاع و الهبوط لا تتم بقدر عالي من السلامة إلا بمعرفة سرعة و اتجاه الرياح، و لا تتحقق السلامة في عملية شحن الطائرات إلا بمعرفة درجة الحرارة، و لا تتم عملية الهبوط إلا بمعرفة الضغط الجوي للمطار.
وبالنسبة للملاحة البحرية لا يمكن الإبحار بأمان إلا بمعرفة الظروف الجوية على البحر مثل سرعة و اتجاه الرياح، و درجة حرارة سطح البحر، و ارتفاع موجات البحر.
أما بالنسبة لتخطيط المشروعات الزراعية، فلا يصح التخطيط في المنطقة المعنية إلا بمعرفة كميات الأمطار و درجات الحرارة و سرعات الرياح و الإشعاع الشمسي على سبيل المثال، لأن المحاصيل تختلف في حاجتها لهذه العناصر فبعضها يحتاج الماء الكثير و بعضها يتأثر سلباً بالماء الكثير و كذلك الحال بالنسبة للرياح، و بعضها صيفية و أخرى شتوية مما يعني تأثرها بدرجات الحرارة و غير ذلك من عناصر المناخ. فكل هذه المعلومات اللازمة لتشغيل هذه القطاعات الاقتصادية تقدمها الأرصاد الجوية وفقاً لاتفاقيات دولية متعارف عليها.
فهذه هي مؤسسة الأرصاد الجوية، دورها و أهميتها. و خبير الأرصاد الجوية الذي يقوم بهذا العمل اليوم في كل دول العالم تهتم به الدولة أيما اهتمام و يتقاضى مخصصات من بين الأعلى في الدولة. أما خبير الأرصاد الجوية في السودان اليوم، يتراوح مرتبه بين 50 إلى 80 ألف جنيه سوداني في المتوسط، و عندما يتقاعد للمعاش لا تتجاوز مكافأة نهاية خدمته ثلاثة إلى أربعة ملايين جنيه سوداني في الوقت الذي يتقاضى فيه موظف آخر في مؤسسة أخرى (تشغّلها الأرصاد الجوية) هذا المبلغ راتباً أو حافزاً شهرياً.
فرص النهضة والتطور:
أمام المؤسسة فرص كبيرة جداً للنهضة والتطور إن استفادت من الآتي:
أولاً، فرص التطوير والتدريب التي تقدمها المنظمات الدولية ذات الصلة بأعمال الأرصاد الجوية في صورة مشروعات (Projects)، حيث تقدم هذه المنظمات مشروعات بها فرص للتدريب و أجهزة لأعمال الأرصاد الجوية المختلفة، بالإضافة لدعم مادي مقدر يصل ملايين الدولارات . فالأرصاد الجوية يمكنها الاستفادة من هذه المشروعات مع التركيز على تلك التي تقدم فرص التدريب و التطوير التي تصب في مصلحة تحسين الخدمات في القطاعات الحكومية مثل قطاع الطيران والملاحة البحرية والبيئة سيما مع ثورة التغير المناخي الحادثة اليوم حيث ازدياد المخاطر الناجمة عن المناخ، مما يتطلب أساليب علمية وطرقاً مستحدثة للرصد والتوقع تتطلب التدرب عليها وتطبيقها لأجل تحقيق قدر عالي من السلامة.
فهذه المشروعات و الفرص المتاحة للتطوير في الوقت الحالي تحتاج الإدارة ذات الخطط و التوجه الوطني الواضح الذي لا يقبل النظر للوراء، بل يتطلب إدارة تنظر لحوجة المؤسسة لإعادة ما دمرته الحرب بفهم وطني متجرد و جو من التصالح مع العاملين و هذا لن يحدث من إدارة هي جزء من قوى الحرية والتغيير، بالإضافة إلى أنها تحمل الغبن تجاه العاملين لأنهم طالبوا بذهابها في فبراير 2023 بعد أن كانوا سبباً في تنصيبها.
ثانياً، ضرورة أن تقود المؤسسة الكفاءات المؤهلة تأهيلاً علمياً و فنياً وقابلة لأن تتفهم مشكلات المؤسسة و مشكلات العاملين، و تستفيد من كل الكفاءات بالمؤسسة دون تمييز و لا انتقائية على أي أساس، لأن في آخر خمس سنين عايشت المؤسسة هجرة بعض الكفاءات التي وصلت مرحلة النضج الوظيفي لدول أخرى نتيجة المضايقات بسبب المواقف السياسية والشخصية التي مارستها الإدارة الحالية. و أيضاً من مواصفات الإدارة المرجوة، أن تسعى لبناء علاقات مع المستفيدين على أساس الثقة والاحترام المتبادل والمصلحة العامة، و تسعى لتجويد العمل من أجل تقديم الخدمات الجوية المرضية للمستفيدين.