ثويبة الأمين تكتب .. الفاشر معركة المصير: هل يبدأ تفكيك السودان من هنا؟


تعيش مدينة الفاشر لحظة مفصلية في تاريخ السودان، إذ تحولت من مجرد عاصمة إقليمية إلى عقدة استراتيجية تحدد مصير البلاد بأسرها. فالمعارك المشتعلة على أسوارها ليست مجرد مواجهة عسكرية محدودة، أو انه صراع بين قوى داخلية، بل هي اختبار وجودي حقيقي قد يفتح الباب أمام مشهد تقسيم فعلي للسودان، وسط تراخي داخلي وتواطؤ خارجي واضح.
■الفاشر.. خط الدفاع الأخير
لا تمثل الفاشر الان مجرد مدينة أو عاصمة أو مركز حضري مكتظ بالسكان يواجه اكبر ازمة انسانية تشهدها البلاد فحسب، بل هي اكثر من ذلك تمثل الحاجز الجغرافي والعسكري والسياسي الأخير الذي يمنع انهيار الدولة السودانية. فان السيطرة عليها تعني فتح الطريق نحو باقي مدن البلاد. ولهذا فإن سقوطها لن يكون مجرد خسارة مدينة، بل نقطة تحول استراتيجية قد تمهد لقيام نظام حكم موازي في دارفور وكردفان، بغطاء سياسي وإعلامي واستخباري خارجي، قد يبرر تدخل عسكري خارجي بصورة اكثر وضوحاً.
التحركات الجارية الان اقليميا ودوليا تتم بموجب تخطيط غرف عمليات منعقدة خارج الحدود، تقدم دعماً لوجستياً واستخبارياً وتمويلياً، تحت لافتات مختلفة. الخطة المرسومة تتجاوز السيطرة على دارفور وكردفان، إلى فرض حكومة موازية موالية للخارج تغطي مشروعاً استراتيجياً أوسع، يهدف لإعادة رسم خريطة السودان وإضعاف مركزه السيادي.
■مناوي يحذر: الدولة تتخاذل والفاشر ليست مجرد جغرافية
في اجتماع اللجنة السياسية للكتلة الديمقراطية، أعلن مني أركو مناوي بوضوح استعداده للحديث مع قوات الدعم السريع، في إشارة إلى شعوره بتخاذل الدولة وتراجعها عن مسؤولياتها. وأكد في لقائه الأخير بأهل دارفور في بورتسودان أن شخصيات عليا في الدولة تنظر إلى الفاشر فقط كجغرافية، ولا تعتقد أن القتال في كردفان ودارفور ذو أهمية تذكر.
كرر مناوي مراراً أن كثيرين يظنون أن الحرب انتهت بتحرير الوسط، محذراً من خطورة هذا الوهم الذي يمنح الفرصة لخصوم السودان لإعادة ترتيب أوراقهم.
■صراعات السلطة بدل معركة التحرير
في وقت تحتاج فيه البلاد إلى وحدة الصف وتعبئة الموارد، غرقت الأطراف المكونة لتحالف الجيش في صراعات لا قيمة لها ولا ضرورة، هدفها توزيع كعكة السلطة قبل أوانها.
فبدلاً من جعل تحرير كامل التراب الوطني أولوية قصوى، انصرف قادة الجميع إلى تشكيل الحكومة وتوزيع المناصب، وكأن الحرب قد وضعت أوزارها. كان الأجدر تأجيل أي ترتيبات انتقالية مدنية حتى استعادة السيادة الوطنية كاملة، لأن تعدد الوزارات وتضخم المهام سيؤدي حتماً إلى تشتيت الميزانية وتبديد الجهود، بينما الإعمار لن يبدأ قبل التحرير.
وفي الوقت الذي تنشغل فيه الحكومة بملفات جانبية، تتضخم قوة المتمردين وتزداد خطورتهم، وقد ظهر ذلك جلياً في نتائج المعارك الأخيرة بالخوي وأم صميمة وأم سيالة، التي شكلت انتكاسة عسكرية خطيرة. هذه النتائج لم تكن سوى انعكاس مباشر لتخاذل بعض القوى وانشغالها بالصراع على السلطة، ما يستوجب على الحكومة إعطاء الحرب أولوية قصوى وزخماً متجدداً قبل أن يفلت زمام الأمور.
■احتمالات ما بعد الفاشر
في حال سقوط الفاشر، فإن السيناريو الأكثر ترجيحاً هو قيام سلطة موازية في دارفوروكردفان، تسعى للحصول على اعتراف خارجي بدعم بعض اصدقاء التمرد من الدول المتامرة لتفرض حكومة التمرد كأمر واقع، ما سيؤدي قطعا الي اضعاف الدولة الدولة المركزية وضياع سيادتها وهيبتها. وسيُستخدم خطاب "الشرعية الجديدة" لتبرير التدخل المباشر، مع ما يعنيه ذلك من فقدان السودان لسيادته على أراضيه.
■خاتمة
يقف السودان اليوم على مفترق طرق. الفاشر ليست مجرد مدينة تُدافع عن نفسها، بل هي آخر خطوط الدفاع عن وحدة الدولة السودانية. التهاون في حمايتها يعني القبول الضمني بمشروع تفكيك السودان، قطعة قطعة. والمطلوب الآن إرادة سياسية حقيقية، واستنهاض وطني شامل، قبل أن يُكتب تاريخ جديد للبلاد عنوانه: السقوط بعد الفاشر.