لـواء ركن (م) د. يونس محمود محمد يكتب ...ما بين الدعم والبعث
سقط بشار الأسد مع بزوغ فجر الأحد الثامن من ديسمبر خاتم العام ٢٠٢٤م
ومآذن حمص، واللاذقية وحماه، وحلب، ودرعا، ودمشق العاصمة، تصدح بالآذان الله أكبر، الله أكبر من كل طواغيت الأرض القدامى الغابرين والمحدثين المعاصرين.
سقط بشار الأسد الذي أنشب أظافره وأنيابه في جسد الشعب السوري فأثخنه بالجراح وأوجعه، وصبَّ على رؤوس الناس ألوان العذاب بقواته الجوية التي لم تكسر مجرد حاجز الصوت في الجولان المحتلة من العدو الإسرائيلي ، ولكنّها ترمي الشعب بالبراميل المتفجرة، فمسحت مدن وقرى من الوجود، وأجبر أكثر من خمسة عشر مليون سوري على مغادرة ديارهم قسراً، فتفرقوا في أصقاع الدنيا، منهم أربعة ملايين في تركيا، ومليون ونصف المليون في لبنان، ومثلهم في العراق، وخمسة ملايين في دول أوروبا، وحوالي مئة ألف كانوا في السودان، وما خلت بقعةٌ في الأرض من مستجيرٍ سوري خشية بطش نظام البعث في سوريا ، فضلاً عن مئات الآلاف قابعون في السجون لعشرات السنوات، كثير منهم قضى نحبه ولم ير ضوء الشمس، يركمون بالمئات في ما يسمونه ( *المهاجع* ) وهي عنابر الحبس في أسوأ ظروف يمكن تخيّلها من التجويع والإذلال، والحرمان من النوم، والحمام، وغيره من أساليب التعذيب والإنتقام التي برع فيها البعثيون في سوريا خاصةً، والتوثيقات تشهد على ذلك؛ إذ يقوم بعض الشبيحة بدفن رجلٍ في التراب لم يتبقى إلا رأسه ويأمرونه بأن يقول لا إله إلا بشار، والرجل يردد لا إله إلا الله محمد رسول الله، فأكملوا دفنه وهو حي ، وأمروا الناس أن يسجدوا لصورة بشار، حتى أفتى الشيخ البوطي الناس أن افعلوا واعتبروا الصورة مصلاة، والسجود لله حتى تسلموا من شرهم، وغيرها من صنوف العذاب والقهر، لأن العنف هو احد ركائز فلسفة البعثيين أينما حلوا، وقد ذكر لنا أحد المحامين أنه سمع من البعثي :
( *وجدي شاشات* ) لو انه أستطاع لذبح ( *الكيزان* ) بيده.
إن الرعب الذي أدخله آل الأسد في الشعب السوري من مجازر حماه، والسجون المسالخ في صدنايا، وسجون المحافظات، ومعتقلات الأمن، ومهاجع الحزب، لهو خوف ساهم في تشكيل الشخصية السورية إلا من رحم ربك ، ولذلك رأينا الدهشة والحيرة والتردد في وجوه السجناء والبوابات تُفتح أمامهم للخروج والحرية، خاصةً مشهد سجن النساء اللائي يقبعن في إنكسار وخوف وبعضهن لهن أطفال، لم يروا في الحياة إلا بطش الشبيحة بأمهاتهم، فقلن للثوار في تردد هل نخرج وليس معنا هويات؟؟
هذا من جانب حزب البعث السوري صاحب النهج الإلحادي اذ تُمنع الصلاة بالأوامر لكل ضابط أو جندي في الجيش السوري، ويمكن الإستماع لشهادات ضباط من الجيش السوداني حضروا دورات تدريبية في سوريا.
حكى لي أحدهم وكان رئيس أركان قال عندما كنت عميد حضرت دورة دفاع وطني في الأكاديمية العسكرية العليا في دمشق، وذات مرة شاهدني أحد المسؤولين أصلي، فأدخلوني مكتب المدير وسألني لماذا تصلي؟ ووضح لي أن الصلاة هنا ممنوعة وعليك الإلتزام بالأوامر، فطلبت منه أن يقطع الدورة التدريبية لأني لن أترك الصلاة، فتغاضى على ألا أصلي على مرأى من أحد .
الآن هرب بشار الأسد وترك وراءه الحكم والملك والبعث والميراث وكل شيء، هرب مخلفاً وراءه الشبيحة والقتلة كأن لم تكن بينه وبينهم مودة ومواثيق، وهكذا الطغاة الجبابرة هم أجبن الناس.
ما يقابل هذه الأحداث عندنا في السودان هو ما فعله الدعم السريع، يوم سطى ليستحوذ على الحكم، ولما فشل تولى في الأرض ففسد فيها وأهلك الحرث والنسل، فما شهدت حياة السودانيين عبر القرون كما أرخ مكي شبيكة في كتابه ، ما شهد مقتلة وخراباً وبطشاً مثلما شهد من حميدتي ( *بشار السودان* ) وجنجويده الحاقدون ( *الشبيحة* ) الذين وصفهم الروائي ( *بركة ساكن* ) فأجاد وصفهم بالوحشية والإضطراب النفسي، وإنعدام الضمير، واللا إنسانية، وغربتهم وإفتقارهم لأي مشترك مع سائر أهل السودان، فهم أقربُ للوحوش الضارية منهم للبشر، لا سقف عندهم للأخلاق والحس المسؤولية، يسكنهم البؤس والخراب، لطخوا بأيديهم الآثمة تاريخ السودان، وقطعوا كل ما أمر الله به أن يُوصل، خلّفوا في خطوط سيرهم ما يشيب له الولدان من الدمار، أحرقوا أغلى ما يملكه السودان، تاريخه وإرثه في المتاحف والجامعات والمكتبات ودوائر الحكومة والوثائق والبنوك والبيوت والممتلكات وكل ما طالته بنادقهم، دفنوا الناس أحياءً في الجنينة ووثقوا ذلك بأنفسهم ، وسجنوا الآلاف في السجون وتحت أقبية المنازل وحرموهم حتى ( *الخلاء* ) ،أما قائدهم المجرم فإما أن يكون قد هلك وهذه رواية راجحة، وإما أن يكون قد فرّ منذ بواكير الحرب إلى مخبأ في بيت أربابه، لا يخرج إلا لماماً بتسجيل سيء كسوء طويته وغدره بشعب قبل به نائباً لرئيسه، وإحتفى به أينما توجه، ولكنه مجبول على الخيانة، ولم يصبر في ساحة الحرب كالرجال كما صبر قادة الجيش السوداني الأبطال ، الذين شرّفوا شعبهم بصمودهم الأسطوري، وأنقذوا وطنهم من أن تسرقه الإمارات، وأكدوا المؤكد من رصانة العقل ، وسكينة الشجاعة ، وفوائض الصبر والاناءة، في إدارة حرب فريدة في نوعها ، وتوقيتها ، وأدواتها ، واهدافها ، ووسائلها ، الأمر الذي لم يتوفر لأي معارك التاريخ في المدن والمناطق المبنية، نعم لأنه ما من معركة إلا والعدو فيها إما داخل المدينة ليخرج منها، أو خارج المدينة ليدخل فيها، أما هذه الحرب فالمبادأة كانت للعدو، وتعادل القوى يميل لصالح العدو، والبعد الجهوي والحاضنة الإجتماعية للعدو قد تم إعدادها ( *وللمفارقة تحت القسم* ) والدعم الإقليمي والدولي والغطاء السياسي التبريري كلها لصالح العدو ، فمقبض السكين كله في يده، ونصل السكين الحاد في الجيش السوداني،
وبهذه الأيادي الدامية من الصراع إستطاع الجيش أن يقلب المعادلة بفضل الله ثم حُسن بلاء القيادات والصف والجنود والقوى الساندة، ليصبح ميدان القتال اليوم كما يشاهده الجميع، رايات نصر الجيش ترفرف عالياً، والشبيحة الجنجويد لا يدركون مغزى القتال، أهو من أجل ( *حميدتي الهالك أو الهارب* ) أم من أجل السليب لخاطر عيون ( *أم قرون* ) أم هو موسم إنتحار الجراد؟
الحمد لله عادت دمشق وسيعود السوريون من كل حدب وصوب ليعيدوا حياتهم المزدهرة العامرة بالخيرات وبلدهم الجميل،
وكذلك عادت أم در ، وغالب بحري والخرطوم، وجبل موية، وسنجة ، والسوكي ، والدندر ، والحاج عبدالله ، وغداً تعود مدني السني، والجنينة، ونيالا ، وزالنجي، فيغمرنا الفرح ، وتعود أسراب الطيور، وتعمر الدنيا من جديد، ويبقى أسوا الذكر لمجاميع اليسار المجرم وعناصره العميلة، وحميدتي الغبيان وأتباعه العنصريون الأوباش، وكل من إشتراه حميدتي بماله الدامي من الإدارات الأهلية من العُمد والنظّار والسياسيين.
والله غالبٌ على أمره ولكن أكثر الناسِ لا يعلمون .