عبدالباقي الظافر يكتب... التجاني المشرف .. الرجل الذي لم يجد فرصته..!! 

يوليو 18, 2025 - 14:23
 0  151
عبدالباقي الظافر يكتب... التجاني المشرف .. الرجل الذي لم يجد فرصته..!! 



وقفت أمامه في غرفة العناية الوسطى بأحد مشافي مدينة بورت سودان قبل نحو ثلاثة أسابيع .. كان للتو خارجا من جلسة غسيل كلى .. انتبه لقدومي حتى هم أن يقف معانقا .. لكن الأنواء والداء حالت دون ذلك .. انحنيت معانقا .. رأيت ما يشبه الدمع على عينيه التي تشع ذكاء ..عاد التيجاني المشرف إلى ذلك التاريخ الذي يكاد يقترب من ربع قرن وعدت. 

ودعت الشتاء في بلادي في ذاك العام.. كانت وجهتي للولايات المتحدة .. لم يكن بلدي معافى .. الحرب الاهلية مازالت مستعرة .. انقسام الإسلاميين افضي بي إلى المعتقلات مثل غيري ممن اتهموا بموالاة المفكر الراحل حسن الترابي.. كنت قلقا تلك الرحلة الأولى إلى ما وراء المحيط الصاخب..الاسئلة تقفز في ذهني .. كيف ستعمل وتعول أسرتك ..من سياخذ بيدك في تلك البقاع.. اسامة عثمان سيتولى الخطوة الأولى في نيويورك ..هو رجل أعمال خبر تلك الديار بعد أن طالت إقامته في نيو يورك.. ماذا عن الخطوة الثانية وقد وطنت نفسي على إلا احمل صديقا فوق وسعه.

قبل أن أغادر الخرطوم دس في يدي صديقي عبيد الله محمد عبيد الله والذي سيصبح اسماً في اروقة الدبلوماسية السودانية ورقة تحمل إسم التيجاني المشرف.. كان التيجاني المشرف رئيسا لاتحاد الطلاب بجامعة الخرطوم غادر الجامعة قبل أن ندخلها مسرورين..لكن اذكر أنني شاهدته متحدثا في ركن نقاش او مخاطبة .. كان فيه بسطة في الجسد والعقل وبه لسانا مفوها .. كان ذلك كل ما احمله عن التيجاني المشرف.. مجرد طيف عابر .

نسيت تلك الورقة حتى ضاقت بى الواسعة.. بعد ان وصلت مدينة فلادلفيا بالساحل الشرقي تاركا الساحل الغربي وراء ظهري ..اتصلت عليه ذات مساء.. لفت انتباه أذني صوت موسيقى يصاحب حديثه أثناء المهاتفة .. كل ما طلبه عنوان اقامتي.. بعد ان أنهى مهمة عمله زارني في منزل صديقنا صلاح صوت و لصلاح صوت وكلمة ومقام في تلك المدينة.

أصبت ببعض الإحباط حينما ركبت مع التيجاني في عربة نصف نقل كان يستخدمها في بيع الايسكريم في نواحي المدينة التي كانت تستقبل الربيع.. كانت تلك موسيقى ترويجية.. ظننت أن التيجاني والذي اعرف نبوغه سيكون طبيبا يشار اليه في احد المشافي .

روى التيجاني قصة الصعود والهبوط الذي لازم حياته في ارض الفرص والمخاطر .. اختار امريكا دون غيرها .. عمل في حقل العمل الاجتماعي حيث شق طريقه بسرعة وأصبح اختصاصي سلوك معروف بين المنظمات المتخصصة.. تعثر بسبب ثقته في الذات .. في قصة نعرف تفاصيلها لكن اقلام التشفي السياسي نسجت حولها ومنها الأساطير .. المهم ترك التيجاني الجمل بما حمل و عاد للسودان طبيبا يداوي المرضي ويواسي الوجعى ويعين الأصدقاء محتفظا بذات ابتسامته.

لن أنسى للتيحاني انه منحني سيارته ووقتها لم اكن احمل رخصة قيادة أمريكية لاتجول بها باحثا عن فرصة عمل.. أخذ بيدي حتى وجدت اول وظيفة.. كنت اقضي وقتا طويلا في رفقته ووجدته صابرا محتسبا..كان ينفق المال على اصحاب الحاجات حتى يصبح نفسه في عداد الذين يقترضون ..كل ذلك مصحوبا بابتسامة واسعة لم تغب أبدا عن محياه حتى وهو يصارع المرض في ذاك المشفى.

فتح الله على صديقي العزيز التيجاني المشرف بان جعل النجاح قرين أبنائه وبناته الذين درسوا الطب وتخصصوا في افرعه المختلفة كأنهم يكملون رسالة الأب العطوف الحنون.

كان خفيا بإبنته ايمان وأختها خديجة.. وأشقائها .. يقدم نفسه بانه (ابو ايمان ) في مجتمعات المهاجر العربية .. كان التيجاني يقضي سحابة وقته في عون اخوته ..بل يمكن ان يسافر إلى مدينة بعيدة ليزور مريضا او يعين احدا طلب نجدة (ابو التج).. كان المشرف يحكى الذكريات التي غطاها الزمان كأنها حدثت البارحة.

حتى عودته موخرا لام درمان تشير إلى انه شخص استثنائي.. قبل الحرب كان التيجاني المشرف يعمل طبيبا في المملكة العربية السعودية.. حينما وقعت الواقعة ترك كل شيء وجاء ليقف مع عشيرته في ام درمان التي احبها وأحبته.. رفض أن يغادر المدينة المحاصرة ويلتحق بأسرته في لندن رغم المرض و صعوبة الحياة في هذه المدينة.. بعد أن لاحت بشائر النصر في ام درمان جاء لبورت سودان.. اختار أن يقيم مع سليمان إبرة ابن دارفور الوفي و صديقه ورفيقه في دروب التنظيم ..لم يكن هذا الخيار غريبا على ابو التج الذي أوقف حياته لخدمة الحركة الإسلامية.. وربما لم تمنحه الحركة الفرصة التي يستحقها وكان بها جدير.

اللهم ارحم اخي التيجاني.. واجعله في اعلى الجنان .. والهمنا وأسرته وعارفي فضله الصبر الجميل.